22 مليون عاطل في الوطن العربي يتوقع وصولهم الى 80 مليون سنة 2025


البطالة في العالم العربي
إتحاد المصارف العربية - إدارة الدراسات والبحوث
22 مليون عاطل في الوطن العربي يتوقع وصولهم الى 80 مليون سنة 2025
1. مقدمة
البطالة هي إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه معظم دول العالم العربي باختلاف مستويات تقدمها وأنظمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعد من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاديات العربية حالياً بسبب تفاقم الظاهرة والتزايد المستمر المطرد في عدد الأفراد القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه دون جدوى.
تُعد مشكلة البطالة من المشكلات المعقّدة التي تواجه الدول العربية، إذ يصل عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي حوالي 22 مليون عاطل من إجمالي قوى عاملة يبلغ نحو 120 مليون عامل، يضاف إليهم ما لا يقل عن 3 ملايين عامل سنوياً. وحوالي 60% من مواطني البلاد العربية هم دون سن الـ 25 سنة، وهو ما قد يؤدي إلى أن يصل عدد العاطلين عن العمل في الدول العربية عام 2025 إلى حوالي 80 مليون. وهذا يتطلب ضخ إستثمارات ضخمة لرفع معدلات النمو الاقتصادي لخلق ما لا يقل عن 5 ملايين فرصة عمل سنوياً.
وأكد تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية حول اتجاهات الاستخدام العالمية للعام 2014، أن الارتفاع في معدلات البطالة حول العالم، خصوصاً الشباب، يعود إلى الزيادة الملحوظة في معدلات البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تسجل ثاني أعلى نسبة بطالة في العالم، مقدراً هذه النسبة بـ 11.5% في العام 2013 ، في حين أن المتوسط العالمي يبلغ حوالي 6%.
وتمثل البطالة مشكلة اقتصادية وإجتماعية وسياسية حقيقية. وأصبحت البطالة في كثير من البلدان العربية مشكلة أساسية ومعقّدة، أطاحت بعدد من الحكومات. وتؤكد الاحصاءات أنّ هناك عشرات الملايين من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم من جيل الشباب، يعانون من الفقر والحاجة والحرمان وتخلف أوضاعهم الصحية وعجزهم عن تحمل مسؤولية أُسرهم.
تنتهج الدول العربية منذ وقت بعيد مسارات تنموية مختلفة بهدف تحقيق النمو الاقتصادي. غير أن تلك المسارات أثبتت أنها غير قابلة للاستمرار على المدى المتوسط والبعيد. ففي منتصف الثمانينات أثر الانخفاض الكبير في عائدات النفط على السياسات التنموية مما أحدث جملة من المشاكل التي تطلبت إصلاحات اقتصادية وإعادة هيكلة. وأدت تلك السياسات إلى هيمنة القطاع العام على الأنشطة الاقتصادية وتراكم الديون وارتفاع معدلات البطالة. وكان القطاع العام هو محرك النمو الاقتصادي وهو الذي يوفر فرص العمل ويقدم الخدمات الاجتماعية. وقد أدت هذه السياسات إلى وضع يعتمد فيه السكان على 'دولة الرعاية' في تخطيط حياتهم وتوجيهها. وبنتيجة ذلك، أصبحت الدولة أسيرة لسياساتها الاقتصادية والاجتماعية تلك، واعتاد الناس على تلقي ما تقدمه لهم الدولة.

2. تعريف البطالة وأنواعها

عرفت منظمة الأمم المتحدة البطالة على أنها: جميع الأشخاص فوق سن محددة ليسوا في وظيفة مدفوعة الأجر ولا يعملون لحسابهم الخاص ولكنهم جاهزون للعمل واتخذوا خطوات معينة سعياً وراء التوظيف المدفوع الأجر أو العمل لحسابهم الخاص.
ووفقا لتعريف منظمة العمل الدولية فإن البطالة هي: حالة الفرد القادر على العمل ويرغب في العمل ويبحث عن فرص عمل ولا يجد فرص العمل المطلوبة وليس له مورد رزق.
ويمكننا تحديد البطالة بأنها الحالة التي يكون فيها الشخص قادراً على العمل وراغباً فيه ، ولكن لا يجد العمل والأجر المناسبين.
لا بد من تحويل هذه التعاريف الى مفهوم قياسي وذلك بتحديد الظروف أو الشروط التي يصبح فيها الشخص عاطلا فمثلا يعتبر الشخص عاطلاً اذا:
1. أتم تعليمه أو تدريبه ولم يجد عملاً.
2. انتهى عقد عمله ولم يجد عملاً آخر.
3. استغني عن خدماته قبل انتهاء عقده ولم يجد عملاً آخر.

وتكون البطالة بأشكال مختلفة:
البطالة الاحتكاكية: هي البطالة التي تحدث بسبب التنقلات المستمرة للعاملين بين المناطق والمهن المختلفة الناتجة عن تغيرات في الاقتصاد الوطني. وقد تنشأ عندما ينتقل عامل من منطقة أو إقليم جغرافي إلى منطقة أخرى أو إقليم جغرافي آخر.
البطالة العارضة: وتمتد عادة لفترة قصيرة من الزمن وتشكل جزءاً من عملية بحث العامل عن عمل مناسب وبحث رب العمل عن العامل المناسب.
البطالة الدورية: وهي نتيجة للتقلبات في الطلب التراكمي وتكون عادة مؤقتة ولكن يمكن أن تنتشر على نطاق واسع وأن تشتد حدتها. ويمكن ان يؤدي الانكماش إلى هذا النوع من البطالة.
البطالة الهيكلية: وهي أشد حدة من البطالة الدورية وتمتد عموماً لفترة أطول وتنتج عن فشل السياسات والركود الاقتصادي وسوء سير أسواق العمل.
البطالة المقنعة و البطالة السافرة: تنشأ البطالة المقنعة في الحالات التي يكون فيها عدد العمال المشغلين يفوق الحاجة الفعلية للعمل، مما يعني وجود عمالة فائضة لا تنتج شيئا تقريباً، وإذا ما سحبت من أماكن عملها فأن حجم الإنتاج لن ينخفض. أما البطالة السافرة فتعني وجود عدد من الأشخاص القادرين والراغبين في العمل عند مستوى أجر معين لكن دون أن يجدوه.
البطالة الموسمية: تتطلب بعض القطاعات الاقتصادية في مواسم معينة أعدادا كبيرة من العمال مثل الزراعة، السياحة ، البناء وغيرها. وعند نهاية الموسم يتوقف النشاط فيها مما يستدعي إحالة العاملين بهذه القطاعات ما يطلق عليه بالبطالة الموسمية.
العمالة الناقصة: وتنشأ عندما يكون إنتاج الفرد أدنى من قدراته. ويسود هذا الوضع عادة عندما يحول الموقف الاجتماعي من العمل دون قيام العمال المهرة بقبول العمل في مجال تعليمهم أو عندما تنتج عن النظام التعليمي مهارات غير مطلوبة في سوق العمل، أو عندما يشهد الاقتصاد إنخفاضاً في الطلب على اليد العاملة.
البطالة الاختيارية والبطالة الاجبارية: تنشأ البطالة الاختيارية عندما يتعطل العامل بمحض إرادته عن طريق تقديم استقالته عن عمله، وذلك إما لعزوفه عن العمل أو لأنه يبحث عن عمل أفضل، أو غير ذلك من الأسباب. أما في حالة إرغام العامل على ترك العمل رغم أنه راغب فيه وقادر عليه وراض بمستوى الأجر، فهذه هي بطالة اجبارية. مثال على ذلك تسريح العمال بشكل قسري ويسود بشكل واضح في مراحل الكساد.

3. أسباب البطالة في الوطن العربي
هناك جملة من الأسباب التي ساهمت في تفاقم مشكلة البطالة في الوطن العربي، وهي بمعدلات تتفاوت من بلد إلى آخر بحسب خصوصية وطبيعة اقتصاد البلد. ومن هذه الأسباب:
3.1 أسباب اقتصادية وسياسية: وتتمثل الأسباب الاقتصادية والسياسية المؤدية إلى مشكلة البطالة في الوطن العربي في:
• محدودية حجم القطاع الخاص في معظم الدول العربية وعدم قدرته على تحقيق فرص عمل كافية للباحثين عن العمل، وتشكل القيود المباشرة وغير المباشرة المفروضة على الاستثمار وعدم توافر البيئة الاقتصادية والسياسية المناسبة وسيطرة الدول على الاقتصاد مشكلة أساسية أمام توسع القطاع الخاص وقيامه بدور فعال في دفع عجلة التنمية وتوفير فرص عمل.
• تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي في معظم الدول العربية وفشل سياستها الاقتصادية في توفير وظائف.
• فشل خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية وبرامج التخطيط الاقتصادي والذي أدى إلى تفاقم أزمة المديونية وهروب رؤوس الأموال العربية إلى الخارج.
• غياب التخطيط الاقتصادي المنهجي وعدم تطابق برامج التعليم مع حاجات سوق العمل.
• تنفيذ برامج خصخصة غير مدروسة وما نتج عنه من تسريح مفاجئ لأعداد كبيرة من العاملين في مؤسسات القطاع العام.
• توجه المؤسسات إلى استخدام رأسمال التقني تماشياً مع التقدم التكنولوجي الأمر الذي أدى إلى انخفاض الطلب على عنصر العمل البشري.
• هيمنة القطاع العام على الأنشطة الاقتصادية وتوليد فرص عمل وتقديم أجور مرتفعة.
• معاناة بعض البلدان العربية من الاثار المباشرة وغير المباشرة للحروب والمشاكل السياسية. وقد عمدت أغلب تلك البلدان إلى زيادة الانفاق العسكري على حساب الانفاق الاستثماري الذي يخلق فرص عمل.

3.2 أسباب اجتماعية: ومن أهمها:
• ارتفاع معدلات النمو السكاني في الوطن العربي الأمر الذي يؤجي إلى زيادة السكان وعدم القدرة على إدخالهم في عملية الإنتاج يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة.
• سيادة بعض القيم والعادات الاجتماعية التي تزيد ظاهرة البطالة. فعلى سبيل المثال تفضل بعض المجتمعات الغنية والطبقات الارستقراطية أن يكون أبنائهم عاطلين عن العمل بدلاً من أن يعملوا بأيديهم. بالاضافة إلى النظرة 'المتعصبة' لعمل المرأة، والتي تعاني في بعض المجتمعات من منعها من ممارسة حقها في العمل. وهكذا، فإن المرأة في المجتمع العربي تمثل مورداً بشرياً غير مستفاد منه بشكل كامل، ويمكن الاستفادة منه في المستقبل لدفع عملية التنمية خاصة في القطاعات التي يمكن أن تمثل بيئة مناسبة للمرأة تتفق والقيم الاجتماعية السائدة، كالبنوك والقطاع الصحي والتعليم والعمل الاجتماعي...
• عدم تناسب التعليم مع سوق العمل، حيث أن مستويات التعليم في معظم الدول العربية لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل. وهناك الكثير من المؤشرات التي توضح أن المردود الاجتماعي والاقتصادي للتعليم منخفض جداً في البلدان العربية.
• إنخفاض نسبة الأيدي العاملة الماهرة والكفوءة مما يؤدي إلى تعذر استبدال هذا النوع من العمل محل العمل غير الكفوء، ما ادى إلى ارتفاع كثافة العمل غير الماهر وسيادته في وحدات الانتاج وظاهرة البطالة المقنعة.

4. آثار البطالة في الوطن العربي
تمثل مشكلة البطالة أحد أهم التحديات الكبرى التي تواجه البلدان العربية بسبب آثارها الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة. ومنذ سنوات تخرج تحذيرات من هنا وهناك، وتشير إلى خطر العواقب السلبية لهذه المشكلة، ومع ذلك تتزايد معدلات البطالة يوماً بعد يوم. ويمكن إدراك خطورة مشكلة البطالة بسبب الآثار السلبية التي تخلفها والتي تتمثل في ما يلي:
1.4 الآثار النفسية و الاجتماعية: للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية وعلى الصحة الجسدية. وتفتقد نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل تقدير الذات ويشعرون بالفشل، كما يسيطر الملل عليهم. كما تعيق البطالة عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو ما قد يؤدي إلى:
1.1.4 الجريمة والانحراف: إن عدم حصول الشاب على الأجر المناسب للعيش ولتحقيق الذات قد يدفعه إلى الانحراف أو السرقة أو النصب والاحتيال لكي يستطيع أن يحقق ما يريده.
2.1.4 التطرف والعنف: قد يلجأ بعض الشباب العاطلين عن العمل إلى العنف والتطرف لأنه لا يجد لنفسه هدفاً محدداً ويصبح ميالاً إلى الانضمام إلى الجماعات المتطرفة والتالي تصبح مصيدة لهؤلاء الشباب.
3.1.4 التسول: قد يكون التسول نتيجة حتمية يصل إليها الشخص الذي يعاني من البطالة.
4.1.4 تعاطي المخدرات: قد يجد العاطل عن العمل أن الحل هو في تعاطي المخدرات لأنها تبعده عن التفكير في مشكلة عدم وجود العمل وبالتالي توصله إلى الجريمة والانحراف.
5.1.4 الشعور بعدم الانتماء أو ضعف الانتماء: وهو شعور العطال عن العمل بعدم الانتماء إلى البلد الذي يعيش فيه لأنه لا يستطيع أن يوفر له مصدراً للعمل، وبالتالي يشعر بالانتماء إلى أي مجتمع آخر قد يوفر له فرصة عمل.
6.1.4 الهجرة: حيث يجد بعض الشباب أن الهجرة إلى بلاد أخرى هي حل لمشكلة عدم الحصول على عمل.
7.1.4 التفكك الأسري: إذ قد يكون السبب الرئيسي لهذا التفكك هو عدم الحصول على فرصة عمل وبالتالي تحدث كل هذه الحالات السابقة وكلها ناتجة عن المشكلة الرئيسية وهي البطالة.

2.4 الآثار الاقتصادية: إحدى أهم نتائج ظاهرة البطالة هي زيادة الفقر، والذي يعتبر أيضاً من العوامل المشجعة على الهجرة. فمشكلة الهجرة إلعربية تكاد تكون إقتصادية بالأساس. وبالرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، إلا أن االدوافع الاقتصادية تأتي في مقدمة هذه الأسباب. ويتضح ذلك من التباين الكبير في المستوى الاقتصادي بين الدول العربية المصدرة للمهاجرين، والتى تشهد غالبًا ضعفاً في مستوى التنمية، وقلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة إلى الأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين.
أما فيما يتعلق بالآثار الاقتصادية للبطالة على المستوى الكلي، فإن أهم مؤشر في اتجاهات الطلب على العمل هو نموّ الانتاج. بالتالي، فإن تباطؤ النموّ الاقتصادي يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة. وهكذا، فإن الوضع في المنطقة العربية بصورة عامة ومنذ التسعينات بشكل خاص، تميز بضعف آداء الانتاج مقارنة بنمو سريع في اليد العاملة. والنمو في اليد العاملة فاق الزيادة في فرص التوظيف. وتتمثل الآثار الاقتصادية لمشكلة البطالة في الدول العربية بما يلي:
1.2.4 ضعف الإنتاجية لعدم وجود تنويع في الأنشطة الاقتصادية.
2.2.4 تأثير البطالة السلبي في الوطن العربي على الاستهلاك وعلى الصادرات والواردات.
3.2.4 تأثير البطالة على تباطؤ النمو الاقتصادي كلما زادت معدلاتها.
4.2.4 تأثير البطالة على هجرة الكفاءات العلمية والفكرية التي انفق المجمتع على تعليمها أموالاً طائلة.

3.4 الآثار السياسية والامنية: لمشكلة البطالة آثار سياسية وامنية في الوطن العربي من خلال تأثيرها على الاستقرار الأمني والسياسي. فالبطالة تصيب الفرد باليأس والإحباط، ويسهل بسبب ذلك على الجماعات المتطرفة والإجرامية تجنيده للقيام بأعمال إرهابية وجرائم، هذا فضلاً عن الثورات الشعبية التي شهدها عدد من الدول العربية. كما أن الفرد العاطل عن العمل يشعر بالاقصاء والتهميش من قبل دولته ما يُضعف شعوره بالانتماء وبالوطنية، والفئات العاطلة عن العمل التي لم تعد تؤمن بالوعود والآمال المعطاة لها، قد تتمرد على المجتمع. كما أنه ولا شك توجد علاقة بين الجريمة والبطالة، ذلك أنه كلما زادت معدلات البطالة زادت معدلات الجريمة، والسرقة هي أول نتائج البطالة.

4.4 اثار البطالة على المجتمع: البطالة هي مشكلة ناتجة عن مشكلات ومسببة لمشكلات أخرى. فهي قد تنتج عن مشكلات ارتفاع الأجور والاستعانة بالأيدي العاملة غير الوطنية، وينتج عنها مشكلات أخرى، حيث تشكل البطالة سبباً رئيسياً لمعظم الأمراض الاجتماعية وتمثل تهديداً للاستقرار الاجتماعي والسياسي. فالبطالة بمعناها الواسع لا تعني فقط حرمان الشخص من مصدر معيشته، وإنما تعني أيضاً حرمانه من الشعور بأهمية وجوده .كما ينشأ بسبب البطالة وقلة الدخل (أو انعدامه) مشكلات كثيرة متشابكة ويأتي في مقدمتها الفقر وتدني مستوى المعيشة والأوضاع الصحية والتعليمية والاقتصادية وتفشي مظاهر اليأس وخيبة الأمل والإحباط وضعف الانتماء وقلة الولاء للوطن.

5. الجهود العربية للتصدي لمشكلة البطالة
تعد مشكلة البطالة وخاصة بين الشباب العربي من التحديات الكبيرة، لما يترتب عنها من نتائج خطيرة، وهذا يتطلب التزاماً سياسياً في المقام الأول للقضاء على البطالة كأولوية وطنية وعربية. وفيما يلي نعرض بعض الجهود المبذولة للتصدي لهذه المشكلة والمتمثلة بالجهود القطرية الفردية وبجهود منظمة العمل العربية.

1.5 الجهود الفردية: تبذل الدول العربية جهوداً منفردة للحد من تفاقم مشكلة البطالة. ولكنها حتى الآن غير كافية. ففي مصر، تركزت الجهود لتشغيل الشباب بتمويل من الصندوق الاجتماعي للتنمية، ورصدت له الدولة اعتمادات مالية كبيرة، وإنصب اهتمام الصندوق على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تنفيذ مشاريع لصالح الخريجين كتمكينهم من إستغلال أراض زراعية مستصلحة.
وفي الأردن، بذلت الحكومة جهوداً لتشغيل الشباب رغم ضعف الموارد المالية وذلك عن طــريق صندوق التنمية والتشغيل. كما تعمل جهات أخرى في هذا الاتجاه و منها صندوق المعونة الوطنية، غير أن إسهاماتها بقيت محدودة.
وفي تونس تم اعتماد برنامج عمل منذ سنة 1998 خاص بتنفيذ عقود تربط بين التدريب والتشغيل. كذلك عمدت معظـم دول الخليج العربية على إعادة تنظيم توظيف الوطنيين بجهود نشطة، ووضع إجـراءات لتحفيز القطاع الخاص على تشغيل المواطنين بدلا من الأجانب.
وفي الجزائر اتخذت الدولة عديداً من الإجراءات للتخفيف من ضغوط سوق العمل من خلال البرامج الخاصة بتشغيل الشباب التي هـدفت إلى توفير منصب مؤقت للشاب العاطلين عن العمل لتخفيف ضغوط سوق العمل وتقليص البطالة. وترمي هذه الترتيبات إلى مساعدة الشباب في اكتساب خبرة مهنية خلال مدة تتراوح من بين 3 إلى 12 شهر، ثم تتولى الجماعات المحلية توظيف هؤلاء الشباب على أن تتلقى معونة مالية من الصندوق الخاص بالمساعدة على تشغيل الشباب. هذا بالإضافة إلى الصندوق الوطني للتأمين على البطالة وهدفه حماية العمـال المسرحين لأسباب اقتصادية خلال فترة مؤقتة مدتها ثلاث سنوات، إضافة الى دعم خلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة التي وضعت خصيصاً لدعم الشباب الراغبين في إنشاء مثل تلك المشروعات. وإعتمدت الجزائر برنامجاً خاصاً بالتشغيل سمي بعقود ما قبل التشغيل و الذي وجه لحاملين الشهادات الجامعية ، وأيضاً طالبي العمل بدون خبرة مهنية

2.5 جهود منظمة العمل العربية للنهوض بالتشغيل و الحد من البطالة
تعتبر منظمة العمل العربية القوى العاملة إحدى أهم مقومات التطور الاقتصادي لأي دولة، والتي لها الحرية بأن تستحدث خطط و برامج التنمية لتعبئة الموارد البشرية وتطوير كفاءتها واستغلالها بأفضل ما يمكن، ولا يتم ذلك إلا في إطارنظرة شاملة لعملية التنمية.
وقد اتسع مفهوم تنمية القوى العاملة العربية من مجرد إعداد القوى العاملة وفقاً لاحتياجات سوق العمل، ليشمـل التأمينات الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية والرعاية الاجتماعية والتثقيف العمالي. وقد احتلت تلك الأمور أولوية متقدمة في اهتمامات ونشاطات المنظمة للمساهمة في الحد من تفاقم مشكلة البطالة. وهي تعتبر أن الأمور المتعلقة بتنمية الموارد بجميع أشكالها تمثل رافداً لقضايا التشغيل ومساهماً مهماً في ردم الفجوة الناتجة عن الفوارق بين التعليم والتكوين المهني من جهة، واحتياجات سوق العمل من جهة أخرى.
وضعت منظمة العمل العربية استراتيجية عربية لتنمية القوى العاملة كانت ضمن بنود جدول أعمال الدورة الرابعة لمؤتمر العمل العربي الذي عُقد في طرابلس عام 1975. ثم أتت استجابة مباشرة لإستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك الذي عُقد في عمان عام 1980.
تواصل إهتمام منظمة العمل العربية بقضايا تنمية اليد العاملة العربية عبر إدراج موضـوع تنمية الموارد البشرية في مواجهة البطالة ضمن بنود جدول أعمال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر العمل العـــربي الذي عُقد في القاهرة عام 1999. وقد نتج عن المؤتمر العديد من التوصيات بخصوص تنمية الموارد البشرية العربية.
تم إعداد مشروع الإستراتيجية العربية لتنمية القوى العاملة عبر الخطوات التي اتخذها مكتب العمل العربي عبر عدة مراحل بدءاً بالدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر العمل العربي (عام 2001) وانتهاء بالدورة الثلاثين (عام 2003)، حيث جرى إقرار الإستراتيجية العربية لتنمية القوى العاملة واعتبارها إلزامية لمنظمة العمل العربية في إطار خطط وبرامج عملها المستقبلية. وقد عدت بمثابة قاعدة مشتركة لخطط التنمية في المجال الاجتماعي مرجعاً رئيسياً للجهود غير الرسمية والثنائية وشبه الجماعية في المجال الاجتماعي. وتم التركيز من خلال الإستراتيجية العربية لتنمية القوى العاملة والتشغيل على أهمية تحقيق التوازن بين التعليم الفني والتدريب المهني واحتياجات سوق العمل.

6. مقترحات لحل مشكلة البطالة في الوطن العربي
بما أن البطالة تمثل أزمة خطيرة تهدد الاستقرار في العالم العربي، فالمطلوب هو وضع إستراتيجية وطنية وعربية شاملة تركز على إجراءات قصيرة ومتوسطة الجل، و إجراءات طويلة الأجل.

1.6 الإجراءات قصيرة ومتوسطة الأجل
تهدف هذه الإجراءات إلى التحكم في أزمة البطالة والحد منها والتخفيف من آثارها السلبية بما يلي:
1.1.6 تشغيل الطاقات العاطلة الموجودة في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني عبر خلال التوسع في برامـج التدريب وإعادة التدريب في مجال المهن اليدوية، خاصة أن مزاولتها يعتمد أساساً على الكفاءة والخبرة وتحتاج إلى قدر بسيط من رأس المال، ويمكن أن تستوعب أعدادا كبيرة من اليد العاملة.
2.1.6 وضع الحكومات العربية لبرامج خاصة للنهوض بالخدمات التعليمية والمرافق العامة، وهو الذي يترتب عليه خلق فرص عمل منتجة لآلاف الخريجين والمؤهلين للعمل في هذه القطاعات.
3.1.6 دعم وتشجيع القطاع الخاص المحلي وخاصة في مجالات كثيفة العمالة كالقطاع الزراعي، على أن تتناسب الحوافز المقدمة مع حجم ما يوفره من فرص عمل.
4.1.6 إحياء قطاعات غائبة عن برامج التنمية الاقتصادية في بعض الدول العربية، كقطاع الخدمات السياحية، إذ تمتلك غالبية الدول العربية مراكز سياحية قادرة على إمتصاص إعداد كبيرة من العاطلين عن العمل لو أحسن استغلالها .
5.1.6 تشجيع العمالة العربية 'البينية' عبر إحلال اليد العاملة العربية محل تلك الأجنبية في الدول العربية.
6.1.6 دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تعتبر أحد أبرز آليات مواجهة البطالة في الوطن العربي من خلال ما توفره من فرص عمل.
7.1.6 ربط مناهج وسياسات التعليم والتدريب المهني بمتطلبات أسواق العمل وتقليل الفجوة بين هذه العناصر.
8.1.6 ربط قواعد بيانات التعليم والتدريب والتشغيل لرفع معدلات الاستفادة من القوى العاملة العربية واستقرارها داخل الوطن العربي .

2.6 إجراءات الأجل الطويل

الأجل الطويل هو المدى الزمني الذي يسمح بإحداث تغيرات هيكلية في البطالة. وعليه، فإن القضاء على البطالة في الدول العربية على المدى الطويل، يتوقف على قدرتها على خلق بيئة تسمح بتوفير فرص إنتاجية متزايدة للتوظيف تكفي أعداد الذين يدخلون سنوياً إلى أسواق العمل العربية. ويتحقق ذلك من خلال إستراتيجية جدية للنمو والعمالة والتي يجب أن تتضمن تحقيق ما يلي:
1.2.6 تحسين الأداء الاقتصادي ومناخ الاستثمار في الدول العربية، وإزالة القيود التنظيمية والقانونية التي تحول دون اجتذاب الأموال العربية الضخمة في الخارج. ولاشك أن من شأن عودة هذه الأموال للاستثمار في الدول العربية المساهمة في تخفيف مشكلة البطالة بشكل كبير.
2.2.6 زيادة الاستثمار لكي تتمكن هذه الدول من تحقيق نمو يسمح لها بخلق فرص عمل تتناسب مع معدل نمو العمالة الجديدة الداخلة إلى سوق العمل واستيعاب نسبة من العاطلين عن العمل.
3.2.6 ضرورة اعتماد برامج طويلة الأجل للتنمية البشرية يتسنى من خلالها رفع مستويات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
4.2.6 تتوافر في الدول العربية مقومات قيام تكامل اقتصادي، كما توجد بنية ملائمة لعملية تنمية شاملة. ومن الضروري إعتبار الوطن العربي ككل إطاراً عاماً لاستغلال تلك المقومات عند التركيز على قضية التكامل لأنه يسمح بتكامل موارد ومعطيات الدول منفردة أو في مجموعات إقليمية. وتسهم عملية التكامل في التخفيف من مشكلة البطالة في الدول العربية إذا تكيف الإطار السياسي بالشكل الملائم ليفعّل حركة الإنتاج بين الدول العربية.
5.2.6 إعتماد قاعدة معلوماتية عربية للوظائف المعروضة والباحثين عنها والاستفادة من تجربة الدول الغربية في إنشاء بنوك وطنية للتوظيف توفر قاعدة معلومات للوظائف الشاغرة في القطاعين العام والخاص.

7. دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الحد من البطالة في الدول العربية
تعتبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي وتمثل إحدى أهم دعائم التنمية في أي عربية وتؤدي دوراً هاماً في تحقيق التنمية الاجتماعية والبشرية لناحية خلق فرص العمل. كما تكتسب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أهمية بالغة ناتجة عن خصائصها المتمثلة أساساً في سرعة التأقلم مع التغيرات والظروف المحيطة بها من خلال تأثيرها على بعض المتغيرات الاقتصادية الكلية كإجمالي الناتج المحلي، والاستهلاك، والاستثمار، والصادرات.
إن ما وصلت إليه الدول المتقدمة من نمو وازدهار اقتصادي تحقق بفضل المساهمة الفاعلة والكبيرة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي هي أداة تنموية فاعلة تعمل على خلق الملايين من فرص العمل ورفع الطاقة الإنتاجية القائمة، وتعمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كذلك على إحداث طاقة إنتاجية جديدة ورفع إنتاجية العمل والمستوى المعيشي لأصحابها والعاملين فيها. كما تعمل على زيادة القدرة التصديرية للبلد، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على نمو الناتج المحلي الإجمالي وميزان المدفوعات. مع الاشارة إلى الكثير من المؤسسات الكبيرة هي نتاج تطور مؤسسات صغيرة ومتوسطة نجحت وتوسعت وأصبحت مؤسسات كبيرة.
للأسف، لا تزال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تلعب دوراً محدوداً في الدول العربية، حيث أنها لا تساهم بشكل كبير في الاقتصاديات الوطنية لهذه الدول، لا سيما في التشغيل. ولا شكّ أن تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة هو أمر أساسي ويرتبط مباشرة بإعادة هيكلة الإقتصادات العربية، لكي تصبح المشروعات الصغيرة والمتوسطة من أهم آليات تفعيل عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية والبشرية في وطننا العربي. وعلى الرغم من أهميتها، فلا يوجد حتى الآن إستراتيجيات عربية على المستوى الوطني لتفعيل دور هذا القطاع، إن لناحية الدعم والتشجيع، أو بالنسبة للتمويل.
وللاضاءة على هذا الموضوع، قام إتحاد المصارف العربية بالتعاون مع البنك الدولي، بإعداد دراسة إحصائية ميدانية حول تمويل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الوطن العربي، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة المهمة خلال العام 2011. وقد شملت العينة المدروسة 139 مصرفاً عربياً في 16 دولة عربية. وفي ما يلي بعض النتائج التي توصلت إليها الدراسة:
أولاً: تبلغ حصة القروض المقدمة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة حوالي 8% فقط من مجموع القروض المقدمة من القطاع المصرفي العربي. مع الإشارة إلى تفاوت هذه النسبة بين المصارف الخليجية (حيث بلغت لديها هذه النسبة 2%) والمصارف غير الخليجية (بلغت حوالي 13%).
ثانياً: تلعب المصارف العربية الحكومية دوراً مساوياً تقريباً للمصارف المملوكة من القطاع الخاص، حيث بلغ متوسط هذه النسبة 9% من مجمل القروض الممنوحة من المصارف الحكومية.
ثالثاً: تتفاوت نسبة الاقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من مجمل الاقراض، بشكل كبير بين القطاعات المصرفية العربية. وفي ما يلي نسبة بعض الدول العربية: 0.5% في قطر، 1% في البحرين، 4% في الإمارات العربية المتحدة، 5% في مصر، 10% في الأردن، 16% في لبنان.

تظهر الأرقام أعلاه الإهتمام غير الكاف الذي توليه المصارف العربية لقطاع حيوي جداً لخلق فرص العمل وتعزيز التنمية الإقتصادية الحقيقية، عدا عن أنه يشكل فعلاً فرصة إستثمارية وتمويلية ضخمة للمصارف العربية. وقد أشار تقرير حديث أعدته مؤسسة التمويل الدولية (IFC) إلى وجود ما بين 1.9 إلى 2.3 مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة، مسجلة رسمياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 21% منها فقط حاصلة على قروض من المصارف. وذلك على الرغم من أن حوالي 74% منها لديها حسابات إيداع لدى المصارف، ما يدل على أن المصارف تتولى إدارة أموال تلك المشروعات ولكن تحجم عن إقراضها. كما أشار التقرير المذكور إلى فجوة تمويل لهذه المشروعات ما بين 110 إلى 140 مليار دولار

ليست هناك تعليقات