الاعلام الاقتصادي / الجزء الثاني عشر / رجال صنعوا اسطورة اليابان


الاعلام الاقتصادي / الجزء الثاني عشر /
رجال صنعوا اسطورة اليابان
اولا : سابورو أوكيتا و يونوسوكي جوتو
-------------------------------------------
قبل الهزيمة بشهر كان هناك شابان مسئولان منفصلان تمامًا عن الواقع، اليابان تنهار والولايات المتحدة توشك على دكها بالكامل والأرض الطيبة تتحول لأرض رعب مقيم، لكن الشابين وسط كل ذلك كانا يفكران في أشياء أخرى أهم ألف مرة.
قبل شهر من الاستسلام رأى (سابورو أوكيتا ويونوسوكي جوتو) أن الهزيمة آتية لا محالة وستجلب معها انهيارًا اقتصاديًا لا مفر منه، كان الاثنان يعملان مهندسيْ كهرباء في العاصمة الصينية بكين، لكنهما عندما شاهدا ما يحدث عادا إلى طوكيو ليبدآ التحضير لجلسات نقاشية أولية يتم فيها وضع خطة لتجاوز ما سيحدث اقتصاديًا، عقد الاجتماع الأول يوم 16 أغسطس لعام 1945 (بعد الهزيمة بيوم واحد فقط)، وفيه تمت مناقشة اتفاقية بريتون وودز التي كانت وقعت قبل الجلسة بعام في الولايات المتحدة ونتج عنها تثبيت الدولار كعملة قياسية وإنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
بمرور الوقت تحولت الجلسات من جلسات خاصة لجلسات عامة يحضرها أكاديميو وسياسيو اليابان لمناقشة إعادة الإعمار، وتولى أوكيتا وجوتو مهمة تلخيص نقاط كل جلسة نقاشية وتحويلها لتقرير كامل، بعد فترة أخرى تبنت الحكومة الجلسات رسميًا وضمتها وزارة الخارجية إليها تحت مسمى (لجنة المسح الخاصة(
في أواخر عام 1945 ظهرت المسودة الأولى لتقرير الجلسات الشامل، ثم ظهرت المسودة النهائية في مارس من 1946، ثم خضعت لتعديلات لتظهر نسخة التقرير النهائية في سبتمبر من نفس العام وكان عنوانها (المشكلات الأساسية لإعادة إعمار الاقتصاد الياباني)، تناول التقرير المشكلات والتحديات التي تواجه الاقتصاد مع توصيف دقيق جدًا للوضع الداخلي، ثم وضع إستراتيجية عامة لمواجهة كل المشكلات، ثم في مرحلة التقرير الثالثة وضعت توصيات التحرك لإعادة الإعمار بالتفصيل، مثل التقرير مثالًا بليغًا متداولًا حتى الآن على العقلية اليابانية الخلاقة، ومازالت اليابان تعمل ببعض توصياته الاقتصادية حتى لحظتنا هذه
ثانيا : قصة أوساهير الياباني الذي نقل قوة اوروبا لليابان
---------------------------------------------------------------
قصة أوساهير الياباني الذي نقل قوة اوربا لليابان هي عبرة لنا ولابنائنا المبتعثين .. أوساهير أحدث نقله لليابان، وغيّر موازين القوة الإقتصادية بالعالم يقول ” أوساهير” الذي بعثته حكومته للدراسة في المانيا :لو أنني اتبعت نصائح أستاذي الألماني الذي ذهبت لأدرس عليه في جامعة هامبورج لما وصلت إلى شي ،
كانت حكومتي ارسلتني لأدرس أصول الميكانيكا العلمية كنت أحلم بأن اتعلم كيف أصنع محرك صغير كنت أعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية...، أو مايسمى موديل هو أساس الصناعة كلها ، فإذا عرفت كيف تصنع وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها ،
وبدلاً من أن يأخذني الأساتذه إلى معمل أومركز تدريب عملي أخذوا يعطونني كتبا لأقرأها وقرأت حتى عرفت نظرية الميكانيكا كلها ولكنني ظللت أمام المحرك - أيا كانت قوته- وكأنني أقف أمام لغز لا يحل ،
وفي ذات يوم ، قرأت عن معرض محركات ايطالية الصنع ، كان ذلك أول الشهر وكان معي راتبي ، وجدت في المعرض محركاً قوة حصانين ، ثمنه يعادل مرتبي كله، فأخرجت الراتب ودفعته ، وحملت المحرك ، وكان ثقيلاً جداً ، وذهبت إلى حجرتي ، ووضعته على المنضدة وجعلت أنظر إليه ، كأنني أنظر إلى تاج من الجوهر ـ
وقلت لنفسي : هذا هو سر قوة أوربا ، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان ، وطاف بذهني خاطراً يقول : أن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى ، مغناطيس كحدوة الحصان، وأسلاك ، واذرع دافعه وعجلات ، وتروس وما إلى ذلك لو أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقة نفسها التي ركبوها بها ، ثم شغلته فاشتغل ، اكون قد خطوة خطوة نحو سر “موديل ” الصناعة الأوربية ،
وبحثت في رفوف الكتب التي عندي ، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات وأخذت ورقاً كثيراً ، واتيت بصندوق أدوات العمل ، ومضيت أعمل ، رسمت المحرك ، بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمل أجزاءه ، ثم جعلت أفككه قطعة قطعة ، وكلما فككت قطعة ، رسمتها على الورقة بغاية الدقة وأعطيتها رقما وشيئا فشيئاً فككته كله ثم أعدت تركيبه ، وشغلته فأشتغل ،
كاد قلبي يقف من الفرح ، استغرقت العملية ثلاثة أيام ، كنت آكل في اليوم وجبه واحده ، ولا أصيب من النوم إلا مايمكنني من مواصلة العمل وحملت النبا إلى رئيس بعثتنا ، فقال : حسناً مافعلت ، الآن لا بد أن اختبرك ، ساتيك بمحرك متعطل ، وعليك أن تفككة وتكشف موضع الخطا وتصححه ، وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل ،
وكلفتني هذه العملية عشرة أيام ، عرفت أثناءها مواضع الخلل ، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة ، صنعت غيرها بيدي ، صنعتها بالمطرقة والمبرد .
بعد ذلك قال رئيس البعثة ، وكان بمثابة الكاهن يتولى قيادتي روحياً قال : عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك ، ثم تركبها محركاً ولكي أستطع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد ، وصهر النحاس والالمنيوم بدلاً من أن أعد رسالة الدكتوراه كما أراد مني استاذي الألماني ،
تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء واقف صاغراً الى جانب عامل صهر المعادن كنت اطيع أوامره كأنه سيد عظيم حتى كنت اخدمه وقت الأكل مع انني من أسرة ساموراي ولكنني كنت أخدم اليابان وفي سبيل اليابان يهون كل شي ، قضيت في هذه الدرسات والتدريب ثماني سنوات كنت أعمل خلالها مابين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم وبعد أنتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة وخلال الليل كنت اراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة .
وعلم الميكادو الحاكم الياباني بأمري ، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة الآف جنيه انجليزي ذهب اشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة وأدوات والآت وعندما أردت شحنها إلى اليابان كانت نقودي قد فرغت فوضعت راتبي وكل ما ادخرته وعندما وصلت إلى ” نجا زاكي” قيل ان الميكادو يريد ان يراني قلت : لن استحق مقابلته الا بعد أن انشي مصنع محركات كاملاً ،
استغرق ذلك تسع سنوات وفي يوم من الايام حملت مع مساعدي عشرة محركات ، ” صنع اليابان” قطعة قطعة ، حملناها الى القصر ودخل ميكادو وانحنينا نحييه
وابتسم وقال : هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي صوت محركات يابانية خالصة هكذا ملكنا ” الموديل” وهو سر قوة الغرب ، نقلناها إلى اليابان ، نقلنا قوة أوربا الى اليابان ، ونقلنا اليابان الى الغرب

الاعلام الاقتصادي (47)
رجال صنعوا اسطورة اليابان
ثانيا : سويتشيرو مؤسس شركة هوندا ,, لم يكن عالما ولا فيلسوفا ولم يكمل تعليمه المدرسي
---------------------------
في عالم ما قبل الحرب كان هناك طفل في مقاطعة هماماتسو ينحدر من أسرة شديدة الفقر، ابن لحداد وطالب من أفشل طلاب مدرسته، كان هذا الطفل يحب مراقبة والده وهو يعمل في ورشته وتعلم منه استخدام الأفران لصهر المعادن وصب القوالب، وعلى الرغم من فشله الدراسي إلا أنه كان مجنونًا بالميكانيكا ولذلك عندما فتح والده ورشة صغيرة لتصليح الدراجات الهوائية كان الطفل ذراعه الأيمن فيها، ثم أنهى دراسته الثانوية في الخامسة عشرة من عمره ليرحل إلى طوكيو ويعمل في شركة صغيرة لتصليح السيارات ويتطور عامًا بعد الآخر ليصل لرئاسة فرع الشركة في هماماتسو وهو في الحادية والعشرين فقط من العمر.
بعد عام واحد فقط ترك الشركة ليبدأ في تأسيس ورشته الخاصة في عام 1928، كانت مكابس السيارات في هذا الوقت تصنع من الخشب فبدأ هو باختراع مكابس معدنية للسيارات، عندما وجد أنه يحتاج للدراسة عاد إلى معهد المقاطعة الفني ليدرس فيه الهندسة الميكانيكية، ثم أنشأ ورشة لإنتاج بعض قطع السيارات لعملاق الصناعة اليابانية (تويوتا)، كانت الأمور تسير على ما يرام بالنسبة له حتى أتى العام 44 لتضرب قاذفة قنابل أمريكية ورشته ثم يكمل عليها زلزال في العام 45 بعد أن أنشأها مرة أخرى، لتنتهي الحرب العالمية الثانية بخسارته لكل شيء.
بعد الحرب، ترك الشاب مجال السيارات واتجه لسوق الدراجات النارية بالصدفة البحتة، في العام التالي مباشرة لقصف اليابان النووي أسس معهدًا للأبحاث التقنية والميكانيكية ثم بدأ في تطوير محركات للدراجات النارية، في هذا الوقت كانت هناك مائتان وخمسون شركة عاملة في اليابان في هذا المجال، بدأ بتصنيع أولى أجيال دراجته (Dream)، وبحملة تسويق عبقرية واستهداف مكثف لشرائح المراهقين والفتيات ممن يستخدمون الدراجات الهوائية استطاع بعد سنوات معدودة أن يصبح الشركة اليابانية الأولى في تصنيع الدراجات النارية، ثم لم يكتف بذلك وإنما ذهب للولايات المتحدة ليغزو السوق هناك في عقر دارهم واستطاع بعد عشر سنوات أخرى أن يصدر للولايات المتحدة مليون دراجة نارية في العام!
بالتوازي وفي بداية الستينات بدأ الشاب في الدخول إلى مجال صناعة السيارات، كان هذا المجال محرمًا في اليابان بشكل غير رسمي بعد فشل عشر شركات منذ العام 1925 في دخول السوق، لكن الشاب وببراعة وبدعم مطلق من وزارة التجارة الدولية بدأ تصنيع السيارات في إطار إستراتيجية الوزارة لرفع الصناعة اليابانية لتنافس نظيرتها الأمريكية، لتصبح شركته فيما بعد أحد أكبر ستة مصنعين للسيارات في العالم، والأولى عالميًا في تصنيع الدراجات النارية.
الشاب الذي يدعى (سويتشيرو) مؤسسًا لعلامة تجارية تقدر قيمتها الآن بما يفوق الستين مليار دولار كإحدى أكبر الشركات العالمية، الشركة التي تدعى (هوندا).


ليست هناك تعليقات