صناعة المعرفة العربيّة…هل من مستحيل؟



صناعة المعرفة العربيّة…هل من مستحيل؟

بيّنت التجارب أن بلداناً صاعدة مثل كوريا أوالصينتبوّأت خلال سنوات قليلة نسبياً مكانة مهمّة في الاقتصاد العالمي، فيما تواصل الصين(الحاصلة على المرتبة 26) شقّ طريقها بين الاقتصادات الكبيرة النامية معزّزةً مركزها بين أعلى 30مرتبة.وكان اللافت تطوّر عدد من البلدان العربيّة على صعيد الّلحاق باقتصاد المعرفة، بعدما غطّى تقرير البنك الدوليلعام  2012 ترتيب146 دولة، من بينها 15دولة عربية بحسب اتجاهها إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة، ليتبيّن أنالإماراتالعربية احتلت المرتبة 42 في الترتيب العالمي، والمرتبة الأولى بين الدول العربية، فيما احتلت البحرين(43) وعمان(47) والسعودية(50) وقطر(54) والكويت(64) المراتب الخمس التالية وفق الترتيب.
لكن مؤخراً صدر”التقرير العربي الخامس للتنمية الثقافية” عنمؤسّسة الفكر العربي وعنوانه:”الاقتصاد العربي القائم على المعرفة”، متوقفاً عند الازدياد المطّرد للصناعات الثقافية في الصادرات العالمية، وعند تطوّر الحجم النسبي لمختلف أنواع السلع والخدمات الثقافية ضمن مجمل الصناعات الثقافية ما بين 2002و2008، نظراً لأهمية قطاع الصناعات الثقافيةفي حلّ  بعض المعضلات المستدامة في الاقتصادات العربية، وهي تنويع الاقتصاد، وتوليد فرص العمل، وزيادة الدخل القومي زيادةً غير ريعية، ولاسيّما أن آليات الدخول في هذا القطاع مفقودة نسبياً في الوطن العربي، فضلاً عن صعوبة توفّر المعلومات في هذا الموضوع وغيابها.
ويشير التقرير أولاً، إلى أن معدل نموّ صادرات السلع الإبداعية بلغ 99%على مستوى العالم، وأن هذه الصادرات ازدادت من 204 بليون دولار إلى  406 بليون دولار، وأن هذا النموّ تراوح بين 1-% لكنداو311% لدول غربي آسيا (الدول العربية في آسيا+تركيا) وكذلك 204% للاقتصادات قيد التحوّل و162% للصين؛ إلا أنّ صادرات الدول العربيةمن الصناعات الإبداعية التي تتطوّر مؤخّراً كمعدل نموّ، لا تزال قليلة القيمة، إذ بلغت 10.6بليون دولار العام 2008. فيما بلغت حصة مجموعات الدول المتقدّمة في الصادرات من السلعالإبداعية لعام 2008 نحو 56% والدول النامية 43% ودول أوروبا الشرقية 1%؛ فضلاً عن توزّع صادرات الخدماتمن الصناعات الثقافية للعام نفسه إلى 83%من الدول المتقدمة و11% من الدول النامية و6% من دول أوروبا الشرقيةأو ما يسمّى بالاقتصادات قيد التحوّل. ما يعني أنّ الدول المتقدّمة هي التي تسيطر على تجارة الخدمات الثقافية.
ولئن كانت الصينقد تصدّرت أفضل 10 دول مصدّرة للسلع الإبداعية بين الاقتصادات النامية في العام 2008،بعدما بلغت قيمة صادراتها 84.807 مليون دولار أميركي، فإن دولة الإمارات العربيّةاحتلّت المرتبة الثامنة بقيمة صادرات بلغت 4.760 مليون دولار. كما احتلت المرتبة الخامسة في صادرات التصميم مع معدل زيادة 48%، والتاسعة في صادرات الفنون الاستعراضية، والثامنة في صادرات الوسائط الجديدة.
أما عن الواردات، فقد توزّعت النسب المئوية لحصص أهمّ سلع الصناعات الإبداعية في الوارداتعالمياً لعام 2008، كالتالي: التصميم (59.0%)، النشر (11.7%)، الحرف الفنّية (7.0%)، الفنون البصرية (6.9%)، الفنون الاستعراضية (6.7%)، الوسائط الجديدة (8.6%)، السمعية البصرية (0.2%). ولوحظ أننسبة النموّ في الواردات من السلع الإبداعية لمنطقة غربي آسيا، ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي،هي الأعلى وأنها تساوي 518%.
وللوقوف على واقع اقتصاد الصناعات الثقافية في دول مجلس التعاوناختار التقرير قطاع الإعلان كمؤشّرٍ مهمّ سواء على نشاط الصناعات الثقافية أم على دور هذا النشاط في الاقتصاد الوطني، فرصد عائدات هذا القطاع وقيمتها في المدّة بين 2006و2012، ولاسيّما في دول مجلس التعاونليتبيّن أن أعلى قيمة للعام 2012 مثلاً، كانت لدولة الإماراتوالتي تقارب 2 بليون دولار، تليهاالسعودية (1.484 مليون دولار).
أما ترتيب دول مجلس التعاونوبعض الدول العربيةفي المؤشّر الفرعي لتنافسية السياحة العالمية المتعلق بالسياحة الثقافية (المواقع الثقافية والتراثية العالمية، الملاعب الرياضية، المعارض العالمية، الصادرات من السلع الإبداعية) فيشير إلى حصول الإمارات على المرتبة 42 عالمياً من بين 135دولة، تليها السعودية فعمان ثم البحرين فقطر ثم الكويت التي حصلت على المرتبة 126.
ولئن وجدت مؤشرات تدلّ على تحسّن مكانة بعض الدول العربيّة ضمن اقتصادات المعرفة، بما قد يجعلها بلداناً واعدة على هذا الصعيد، فإن مقارنة الإنفاق الحكومي على الثقافة في دول مجلس التعاون وبعض الدول العربية بمعظم الدول الأوروبية، تشير في المقابل إلى تراوح متوسط الإنفاق الوطني على الثقافة في الدول العربيّة خلال 2000-2005 بين (0.3%)و(1.2%) من الناتج الإجمالي المحلّي، أي انخفاض حجم هذا الإنفاق، وعدم تجاوزه في السعوديّة مثلاً، نسبة0.11% في العام 2011، هذا في الوقت الذي وصل فيه حجم الإنفاق على النشاط الديني في بلدان عربيّة أخرى مثل الكويت وقطرإلى 1.1% للأول و2.3% للثاني، وذلك بحسب معطيات العام 2008.
تطوّر مذهل في صناعات المعرفة
ختاماً لا بدّ من الإشارة إلى أن صناعات المعرفة ساهمت في العام 2010 بما قيمته 18.2 تريليون دولار أميركي في الإنتاج العالمي،(أي30% من الناتج المحلّي الإجمالي العالمي)، فضلاً عن تركّز الزيادة في نصيب هذه الصناعات في القيمة المضافة العالمية خلال السنوات الأخيرة في 5 اقتصادات رئيسة هي الولايات المتّحدة، الاتّحاد الأوروبي، اليابان، آسيا، الصين، بحيث تدير هذه الاقتصادات الخمسة 90% من الإنفاق على البحث والتطوير في العالم. هذا مع العلم أنالقطاعات كثيفة الاستخدام للمعرفة شهدت نموّاً متزايداً على مدى العقدين الماضيين، وأن ذلك رافقه نموّ ملحوظ في نسبة عمالة المعرفة إلى إجمالي قوّة العمل. فقد نما في الولايات المتّحدة عدد المشتغلين في وظائف العلوم والهندسة، والذين يمثلون فئة واحدة فقط من بين المشتغلين بالمعرفة، من حوالى 182 ألف وظيفة في العام 1950 إلى 5.4 مليون في العام 2009؛ وفي المملكة المتّحدة، من المتوقّع أن يشكّل عمّال المعرفة في العام 2014 حوالى 45% من قوّة العمل بعدما كانت النسبة 31% في العام 1984؛ فيما تتراوح نسبة عمّال المعرفة إلى إجمالي قوّة العمل في دول الاتّحاد الأوروبي بين25% فيالبرتغال و47% فيهولندا. ولئن كانت هذه المعطيات كلّها تشير إلى أننسبة عمالة المعرفةتتفاوت وفقاً لمدى تقدّم الاقتصاد تجاه كثافة استخدام المعرفة، فإنه لمن الضروري  بالنسبة إلى البلدان العربيّة التخطيط لبناء مجتع واقتصاد المعرفة واختراق فضاء الصناعات الثقافيّة بالنظر إليها نظرة شاملة وفق منظومة العلم والتقنية الحاكمة للمنظومة الثقافية، ووفق تفعيل هذه المنظومة لتصبح نظاماً وطنياً للابتكار والتجديد،على أن يرافق ذلك تدبير متعدّد الاتجاهات لمواجهة التحدّيات التي تواجه الدول العربية.
إذ على هذه البلدان أن تواكب مثلاً، ليس سرعة نشر التطبيقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يقدّمها مجتمع المعرفة فقط، بل جودتها أيضاً، وتطوير البنية التحتيّة المعلوماتية والاتصالية اللازمة، وتطوير قطاع الإنتاج والخدمات في تقنية المعلومات والاتصالات، ومنها الصناعات الثقافيّة…إلخ، مع ما تستلزمه هذه التحديات من جهود جبّارة لبناء الهيكلية الإدارية والقانونية والأمنية اللازمة لمجتمع المعرفة، وذلك قبل أيّ شيء آخر

ليست هناك تعليقات